فصل: تَذْكِيرُ الْإِمَامِ وَالْمُطَاعِ الْمُتَخَلّفِينَ بِالتّوْبَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.تَرَكَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتَلَ الْمُنَافِقِينَ لِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ:

فَالْجَوَابُ الصّحِيحُ إذَنْ أَنّهُ كَانَ فِي تَرْكِ قَتْلِهِمْ فِي حَيَاةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَصْلَحَةً تَتَضَمّنُ تَأْلِيفَ الْقُلُوبِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَمَعَ كَلِمَةَ النّاسِ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي قَتْلِهِمْ تَنْفِيرٌ وَالْإِسْلَامُ بَعْدُ فِي غُرْبَةٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى تَأْلِيفِ النّاسِ وَأَتْرَكُ شَيْءٍ لِمَا يُنَفّرُهُمْ عَنْ الدّخُولِ فِي طَاعَتِهِ وَهَذَا أَمْرٌ كَانَ يَخْتَصّ بِحَالِ حَيَاتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَذَلِكَ تَرْكُ قَتْلِ مَنْ طَعَنَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ فِي قِصّةِ الزّبَيْرِ وَخَصْمِهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمّتِكَ. وَفِي قَسَمِهِ بِقَوْلِهِ إنّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللّهِ. وَقَوْلُ الْآخَرِ لَهُ تَرْكُ اسْتِيفَاءِ حَقّهِ بَلْ يَتَعَيّنُ عَلَيْهِمْ اسْتِيفَاؤُهُ وَلَابُدّ وَلِتَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَوْضِعٌ آخَرُ وَالْغَرَضُ التّنْبِيهُ وَالْإِشَارَةُ.

.فصل إذَا أَحْدَثَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذّمّةِ حَدَثًا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدَهُ:

وَمِنْهَا: أَنّ أَهْلَ الْعَهْدِ وَالذّمّةِ إذَا أَحْدَثَ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَدَثًا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْإِسْلَامِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ وَأَنّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فَدَمُهُ وَمَالُهُ هَدَرٌ وَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ كَمَا قَالَ فِي صُلْحِ أَهْلِ أَيْلَةَ: فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنّهُ لَا يُحَوّلُ مَالَهُ دُونَ نَفْسِهِ وَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ النّاسِ وَهَذَا لِأَنّهُ بِالْأَحْدَاثِ صَارَ مُحَارِبًا حُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ.

.فصل جَوَازُ الدّفْنِ لَيْلًا:

وَمِنْهَا: جَوَازُ الدّفْنِ بِاللّيْلِ كَمَا دَفَنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَا الْبِجَادَيْنِ لَيْلًا. وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهُ فَقَالَ وَمَا بَأْسٌ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلًا وَعَلِيّ دَفَنَ فَاطِمَةَ لَيْلًا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي مِنْ آخِرِ اللّيْلِ فِي دَفْنِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْتَهَى. وَدُفِنَ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ لَيْلًا. وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ فَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةَ وَقَالَ رَحِمَك اللّهُ إنْ كُنْتَ لَأَوّاهًا تَلّاءً لِلْقُرْآنِ قَالَ التّرْمِذِيّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَفِي الْبُخَارِيّ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: فُلَانٌ دُفِنَ الْبَارِحَةَ فَصَلّى عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ وَقُبِرَ لَيْلًا فَزَجَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرّجُلُ بِاللّيْلِ حَتّى يُصَلّى عَلَيْهِ إلّا أَنْ يُضْطَرّ إنْسَانٌ إلَى ذَلِكَ؟ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إلَيْهِ أَذْهَبُ. قِيلَ نَقُولُ بِالْحَدِيثَيْنِ بِحَمْدِ اللّهِ وَلَا نَرُدّ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَنَكْرَهُ الدّفْنَ بِاللّيْلِ بَلْ نَزْجُرُ عَنْهُ إلّا لِضَرُورَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَمَيّتٍ مَاتَ مَعَ الْمُسَافِرِينَ بِاللّيْلِ وَيَتَضَرّرُونَ بِالْإِقَامَةِ بِهِ إلَى النّهَارِ وَكَمَا إذَا خِيفَ عَلَى الْمَيّتِ الِانْفِجَارُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُرَجّحَةِ لِلدّفْنِ لَيْلًا. وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.فصل إذَا بَعَثَ الْإِمَامُ سَرِيّةً فَغَنِمَتْ كَانَ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ لَهَا بَعْدَ تَخْمِيسِهِ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْإِمَامَ إذَا بَعَثَ سَرِيّةً فَغَنِمَتْ غَنِيمَةً أَوْ أَسَرَتْ أَسِيرًا أَوْ فَتَحَتْ حِصْنًا كَانَ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ لَهَا بَعْدَ تَخْمِيسِهِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَسَمَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ أُكَيْدِرًا مِنْ فَتْحِ دُومَةَ الْجَنْدَلِ بَيْنَ السّرِيّةِ الّذِينَ بَعَثَهُمْ مَعَ خَالِدٍ وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا وَكَانَتْ غَنَائِمُهُمْ أَلْفَيْ بَعِيرٍ وَثَمَانِمِائَةِ رَأْسٍ فَأَصَابَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَمْسُ فَرَائِضَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أُخْرِجَتْ السّرِيّةُ مِنْ الْجَيْشِ فِي حَالِ الْغَزْوِ فَأَصَابَتْ ذَلِكَ بِقُوّةِ الْجَيْشِ فَإِنّ مَا أَصَابُوا يَكُونُ غَنِيمَةً لِلْجَمِيعِ بَعْدَ الْخَمْسِ وَالنّفْلِ وَهَذَا كَانَ هَدْيُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.فصل ثَوَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ:

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلّا كَانُوا مَعَكُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْجُهّالِ أَنّهُمْ مَعَهُمْ بِأَبْدَانِهِمْ فَهَذَا مُحَالٌ لِأَنّهُمْ قَالُوا لَهُ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ وَكَانُوا مَعَهُ بِأَرْوَاحِهِمْ وَبِدَارِ الْهِجْرَةِ بِأَشْبَاحِهِمْ وَهَذَا مِنْ الْجِهَادِ بِالْقَلْبِ وَهُوَ أَحَدُ مَرَاتِبِهِ الْأَرْبَعُ وَهِيَ الْقَلْبُ وَاللّسَانُ وَالْمَالُ وَالْبَدَنُ. وَفِي الْحَدِيثِ جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَقُلُوبِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ.

.فصل تَحْرِيقُ أَمْكِنَةِ الْمَعْصِيَةِ وَهَدْمِهَا:

وَمِنْهَا: تَحْرِيقُ أَمْكِنَةِ الْمَعْصِيَةِ الّتِي يُعْصَى اللّهُ وَرَسُولُهُ فِيهَا وَهَدْمُهَا كَمَا حَرَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَسْجِدَ الضّرَارِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ وَهُوَ مَسْجِدٌ يُصَلّى فِيهِ وَيُذْكَرُ اسْمُ اللّهِ فِيهِ لَمّا كَانَ بِنَاؤُهُ ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَأْوًى لِلْمُنَافِقِينَ وَكُلّ مَكَانٍ هَذَا شَأْنُهُ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ تَعْطِيلُهُ إمّا بِهَدْمٍ وَتَحْرِيقٍ وَإِمّا بِتَغْيِيرِ صُورَتِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَمّا وُضِعَ لَهُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ مَسْجِدِ الضّرَارِ فَمَشَاهِدُ الشّرْكِ الّتِي تَدْعُو سَدَنَتُهَا إلَى اتّخَاذِ مَنْ فِيهَا أَنْدَادًا مِنْ دُونِ اللّهِ أَحَقّ بِالْهَدْمِ وَأَوْجَبُ وَكَذَلِكَ مَحَالّ الْمَعَاصِي وَالْفُسُوقِ كَالْحَانَاتِ وَبُيُوتِ الْخَمّارِينَ وَأَرْبَابِ الْمُنْكَرَاتِ. وَقَدْ حَرَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ قَرْيَةً بِكَمَالِهَا يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ وَحَرَقَ حَانُوتَ رُوَيْشِدٍ الثّقَفِيّ وَسَمّاهُ فُوَيْسِقًا وَحَرَقَ قَصْرَ سَعْدٍ عَلَيْهِ لَمّا احْتَجَبَ فِيهِ عَنْ الرّعِيّةِ وَهَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ تَارِكِي حُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ النّسَاءِ وَالذّرّيّةِ الّذِينَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ كَمَا أَخْبَرَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ.

.الْوَقْفُ لَا يَصِحّ عَلَى غَيْرِ بِرّ وَلَا قُرْبَةٍ وَمِنْهَا هَدْمُ الْمَسَاجِدِ الْمَبْنِيّةِ عَلَى الْقُبُورِ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْوَقْفَ لَا يَصِحّ عَلَى غَيْرِ بِرّ وَلَا قُرْبَةٍ كَمَا لَمْ يَصِحّ وَقْفُ هَذَا الْمَسْجِدِ وَعَلَى هَذَا: فَيُهْدَمُ الْمَسْجِدُ إذَا بُنِيَ عَلَى قَبْرٍ كَمَا يُنْبَشُ الْمَيّتُ إذَا دُفِنَ فِي الْمَسْجِدِ نَصّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مَسْجِدٌ وَقَبْرٌ بَلْ أَيّهُمَا طَرَأَ عَلَى الْآخَرِ مُنِعَ مِنْهُ وَكَانَ الْحُكْمُ لِلسّابِقِ فَلَوْ وُضِعَا مَعًا لَمْ يَجُزْ وَلَا يَصِحّ هَذَا الْوَقْفُ وَلَا يَجُوزُ وَلَا تَصِحّ الصّلَاةُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ وَلَعْنِهِ مَنْ اتّخَذَ الْقَبْرَ مَسْجِدًا أَوْ أَوْقَدَ عَلَيْهِ سِرَاجًا فَهَذَا دِينُ الْإِسْلَامِ الّذِي بَعَثَ اللّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَنَبِيّهُ وَغُرْبَتُهُ بَيْنَ النّاسِ كَمَا تَرَى.

.فصل جَوَازُ إنْشَادِ الشّعْرِ لِلْقَادِمِ فَرَحًا بِهِ:

وَمِنْهَا: جَوَازُ إنْشَادِ الشّعْرِ لِلْقَادِمِ فَرَحًا وَسُرُورًا بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُحَرّمٌ مِنْ لَهْوٍ كَمِزْمَارٍ وَشَبّابَةٍ وَعُودٍ وَلَمْ يَكُنْ غِنَاءٌ يَتَضَمّنْ رُقْيَةَ الْفَوَاحِشِ وَمَا حَرّمَ اللّهُ فَهَذَا لَا يُحَرّمُهُ أَحَدٌ وَتَعَلّقُ أَرْبَابِ السّمَاعِ الْفِسْقِيّ بِهِ كَتَعَلّقِ مَنْ يَسْتَحِلّ شُرْبَ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ قِيَاسًا عَلَى أَكْلِ الْعِنَبِ وَشُرْبِ الْعَصِيرِ الّذِي لَا يُسْكِرُ وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْقِيَاسَاتِ الّتِي تُشْبِهُ قِيَاسَ الّذِينَ قَالُوا: إنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا.

.اسْتِمَاعُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَدْحَ الْمَادِحِينَ لَهُ:

وَمِنْهَا: اسْتِمَاعُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَدْحَ الْمَادِحِينَ لَهُ وَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَصِحّ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فِي هَذَا لِمَا بَيْنَ الْمَادِحِينَ وَالْمَمْدُوحِينَ مِنْ الْفُرُوقِ وَقَدْ قَالَ اُحْثُوا فِي وُجُوهِ الْمَدّاحِينَ التّرَابَ.

.الْفَوَائِدُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ قِصّةِ الْمُتَخَلّفِينَ الثّلَاثَةِ الْجَمّةِ:

فَنُشِيرُ إلَى بَعْضِهَا:

.جَوَازُ إخْبَارِ الرّجُلِ عَنْ تَفْرِيطِهِ:

فَمِنْهَا: جَوَازُ إخْبَارِ الرّجُلِ عَنْ تَفْرِيطِهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي طَاعَةِ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَعَنْ سَبَبِ ذَلِكَ وَمَا آلَ إلَيْهِ أَمْرُهُ وَفِي ذَلِكَ مِنْ التّحْذِيرِ وَالنّصِيحَةِ وَبَيَانِ طُرُقِ الْخَيْرِ وَالشّرّ وَمَا يَتَرَتّبُ عَلَيْهَا مَا هُوَ مِنْ أَهَمّ الْأُمُورِ.

.جَوَازُ مَدْحِ الرّجُلِ نَفْسَهُ:

وَمِنْهَا: جَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْفَخْرِ وَالتّرَفّعِ. وَمِنْهَا: تَسْلِيَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَمّا لَمْ يُقَدّرْ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ بِمَا قُدّرَ لَهُ مِنْ نَظِيرِهِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ.

.بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ مِنْ أَفْضَلِ مَشَاهِدِ الصّحَابَةِ:

وَمِنْهَا: أَنّ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ كَانَتْ مِنْ أَفْضَلِ مَشَاهِدِ الصّحَابَةِ حَتّى إنّ كَعْبًا كَانَ لَا يَرَاهَا دُونَ مَشْهَدِ بَدْرٍ.

.لَمْ يَكُنْ دِيوَانٌ لِلْجَيْشِ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْإِمَامَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يَسْتُرَ عَنْ رَعِيّتِهِ بَعْضَ مَا يَهُمّ بِهِ وَيَقْصِدُهُ مِنْ الْعَدُوّ وَيُوَرّي بِهِ عَنْهُ اُسْتُحِبّ لَهُ ذَلِكَ أَوْ يَتَعَيّنُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ.

.الْمُبَادَرَةُ إلَى انْتِهَازِ فُرْصَةِ الطّاعَةِ:

وَمِنْهَا: أَنّ السّتْرَ وَالْكِتْمَانَ إذَا تَضَمّنَ مَفْسَدَةً لَمْ يَجُزْ. وَمِنْهَا: أَنّ الْجَيْشَ فِي حَيَاةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دِيوَانٌ وَأَوّلُ مَنْ دَوّنَ الدّيوَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهَذَا مِنْ سُنّتِهِ الّتِي أَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاتّبَاعِهَا وَظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهَا وَحَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهَا. وَمِنْهَا: أَنّ الرّجْلَ إذَا حَضَرَتْ لَهُ فُرْصَةُ الْقُرْبَةِ وَالطّاعَةِ فَالْحَزْمُ كُلّ الْحَزْمِ فِي انْتِهَازِهَا وَالْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا وَالْعَجْزِ فِي تَأْخِيرِهَا وَالتّسْوِيفِ بِهَا وَلَا سِيّمَا إذَا لَمْ يَثِقْ بِقُدْرَتِهِ وَتَمَكّنِهِ مِنْ أَسْبَابِ تَحْصِيلِهَا فَإِنّ الْعَزَائِمَ وَالْهِمَمَ سَرِيعَةُ الِانْتِقَاضِ قَلّمَا ثَبَتَتْ وَاللّهُ سُبْحَانَهُ يُعَاقِبُ مَنْ فَتَحَ لَهُ بَابًا مِنْ الْخَيْرِ فَلَمْ يَنْتَهِزْهُ بِأَنْ يَحُولَ دَعَاهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ وَإِرَادَتِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِجَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الْأَنْفَالُ 24] وَقَدْ صَرّحَ اللّهُ سُبْحَانَهُ بِهَذَا فِي قَوْلِهِ: {وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوّلَ مَرّةٍ} [الْأَنْعَامُ 110] وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصّفّ 5]. وَقَالَ: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّى يُبَيّنَ لَهُمْ مَا يَتّقُونَ إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التّوْبَةُ 115] وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.

.لَمْ يَكُنْ يَتَخَلّفُ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا مُنَافِقٌ أَوْ مَعْذُورٌ أَوْ مَنْ خَلّفَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَمِنْهَا: أَنّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَخَلّفُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا أَحَدُ رِجَالٍ ثَلَاثَةٍ إمّا مَغْمُوصٌ عَلَيْهِ فِي النّفَاقِ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ أَوْ مَنْ خَلّفَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ أَوْ خَلّفَهُ لِمَصْلَحَةٍ. وَمِنْهَا: أَنّ الْإِمَامَ وَالْمُطَاعَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُهْمِلَ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ بَلْ يُذَكّرُهُ لِيُرَاجِعَ الطّاعَةَ وَيَتُوبَ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ بِتَبُوكَ: مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُ مِنْ الْمُخَلّفِينَ اسْتِصْلَاحًا لَهُ وَمُرَاعَاةً وَإِهْمَالًا لِلْقَوْمِ الْمُنَافِقِينَ.

.تَذْكِيرُ الْإِمَامِ وَالْمُطَاعِ الْمُتَخَلّفِينَ بِالتّوْبَةِ:

وَمِنْهَا: جَوَازُ الطّعْنِ فِي الرّجُلِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى اجْتِهَادِ الطّاعِنِ حَمِيّةً أَوْ ذَبّا عَنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَمِنْ هَذَا طَعْنُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِيمَنْ طَعَنُوا فِيهِ مِنْ الرّوَاةِ وَمِنْ هَذَا طَعْنُ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلِ السّنّةِ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ لِلّهِ لَا لِحُظُوظِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ.

.جَوَازُ الطّعْنِ اجْتِهَادًا:

وَمِنْهَا: جَوَازُ الرّدّ عَلَى الطّاعِنِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنّ الرّادّ أَنّهُ وَهِمَ وَغَلِطَ كَمَا قَالَ مُعَاذٌ لِلّذِي طَعَنَ فِي كَعْبٍ بِئْسَ مَا قُلْت وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلّا خَيْرًا وَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَمِنْهَا: أَنّ السّنّةَ لِلْقَادِمِ مِنْ السّفَرِ أَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ عَلَى وُضُوءٍ وَأَنْ يَبْدَأَ فَيُصَلّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ يَجْلِسُ لِلْمُسَلّمِينَ عَلَيْهِ ثُمّ يَنْصَرِفُ إلَى أَهْلِهِ.

.الْحُكْمُ بِالظّاهِرِ:

وَمِنْهَا: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقْبَلُ عَلَانِيَةً مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَيَكِلُ سَرِيرَتَهُ إلَى اللّهِ وَيُجْرِي عَلَيْهِ حُكْمَ الظّاهِرِ وَلَا يُعَاقِبُهُ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ سِرّهِ.

.تَرْكُ رَدّ السّلَامِ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا:

وَمِنْهَا: تَرْكُ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ رَدّ السّلَامِ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا تَأْدِيبًا لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ فَإِنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُنْقَلْ أَنّهُ رَدّ عَلَى كَعْبٍ بَلْ قَابَلَ سَلَامَهُ بِتَبَسّمِ الْمُغْضَبِ.

.تَبَسّمُ الْغَضَبِ:

وَمِنْهَا: أَنّ التّبَسّمَ قَدْ يَكُونُ عَنْ الْغَضَبِ كَمَا يَكُونُ عَنْ التّعَجّبِ وَالسّرُورِ فَإِنّ كُلّا مِنْهُمَا يُوجِبُ انْبِسَاطَ دَمِ الْقَلْبِ وَثَوَرَانِهِ وَلِهَذَا تَظْهَرُ حُمْرَةُ الْوَجْهِ لِسُرْعَةِ ثَوَرَانِ الدّمِ فِيهِ فَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ السّرُورُ وَالْغَضَبُ تَعَجّبٌ يَتْبَعُهُ ضَحِكٌ وَتَبَسّمٌ فَلَا يَغْتَرّ الْمُغْتَرّ بِضَحِكِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ وَلَا سِيّمَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ كَمَا قِيلَ إذَا رَأَيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بَارِزَةً فَلَا تَظُنّنّ أَنّ اللّيْثَ مُبْتَسِمُ.

.جَوَازُ مُعَاتَبَةِ الْإِمَامِ وَالْمُطَاعِ أَصْحَابَهُ:

وَمِنْهَا: مُعَاتَبَةُ الْإِمَامِ وَالْمُطَاعِ أَصْحَابَهُ وَمَنْ يَعِزّ عَلَيْهِ وَيَكْرُمُ عَلَيْهِ فَإِنّهُ عَاتَبَ الثّلَاثَةَ دُونَ سَائِرِ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ وَقَدْ أَكْثَرَ النّاسُ مِنْ مَدْحِ عِتَابِ الْأَحِبّةِ وَاسْتِلْذَاذِهِ وَالسّرُورِ بِهِ فَكَيْفَ بِعِتَابِ أَحَبّ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَى الْمَعْتُوبِ عَلَيْهِ وَلِلّهِ مَا كَانَ أَحْلَى ذَلِكَ الْعِتَابَ وَمَا أَعْظَمَ ثَمَرَتَهُ وَأَجَلّ فَائِدَتَهُ وَلِلّهِ مَا نَالَ بِهِ الثّلَاثَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَسَرّاتِ وَحَلَاوَةِ الرّضَى وَخُلَعِ الْقَبُولِ.

.تَوْفِيقُ اللّهِ لِكَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ:

وَمِنْهَا: تَوْفِيقُ اللّهِ لِكَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ الصّدْقِ وَلَمْ يَخْذُلْهُمْ حَتّى كَذَبُوا وَاعْتَذَرُوا بِغَيْرِ الْحَقّ فَصَلُحَتْ عَاجِلَتُهُمْ وَفَسَدَتْ عَاقِبَتُهُمْ كُلّ الْفَسَادِ وَالصّادِقُونَ تَعِبُوا فِي الْعَاجِلَةِ بَعْضَ التّعَبِ فَأَعْقَبَهُمْ صَلَاحُ الْعَاقِبَةِ وَالْفَلَاحِ كُلّ الْفَلَاحِ وَعَلَى هَذَا قَامَتْ الدّنْيَا وَالْآخِرَةُ فَمَرَارَاتُ الْمُبَادِي حَلَاوَاتٌ الْمُبَادِي مَرَارَاتُ فِي الْعَوَاقِبِ. وَقَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِكَعْبٍ أَمّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي التّمَسّكِ بِمَفْهُومِ اللّقَبِ عِنْدَ قِيَامِ قَرِينَةٍ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَذْكُورِ بِالْحُكْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الْأَنْبِيَاءُ 78 و79] وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمّا هَذَا فَقَدْ صَدَق وَهَذَا مِمّا لَا يَشُكّ السّامِعُ أَنّ الْمُتَكَلّمَ قَصَدَ تَخْصِيصَهُ بِالْحُكْمِ.